أمثلة للمنكرات المتفشية في المجتمعات الإسلامية التي ينهى المحتسب ويحذر منها
1- الكفر بالله والشرك به عز وجل
وهو أعظم ذنب وأكبر معصية، وأعظم الكفر وأغلظه إنكار وجود الله وعبادة المادة، وهو مبدأ الشيوعية الحاقدة الملحدة، فإن مبدأهم -لا إله والحياة مادة - وقد انتشر هذا المبدأ في المجتمعات الإسلامية واعتنقه بعض شبابها، وأُلفت الكتب وقررت النظريات وألقيت المحاضرات التي تثبت وجود الله، وأن هذا الكون لا بدّ له من مدبّر، ولا شك أن هذا الكفر والإلحاد أعظم أنواع الكفر على الإطلاق، وكفر كل كافر جزء من كفر هؤلاء، وهم أعظم كفرًا من كفار قريش وأبي جهل واليهود والنصارى وغيرهم، ثم الشرك بالله عز وجل ذنب عظيم وحوب كبير، قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .
وهو دعوة غير الله مع الله، أو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، كتعظيم الأولياء والصالحين بدعائهم، والاستغاثة بهم، والذبح أو النذر أو الاستعاذة بهم، أو الطواف حول قبورهم، وغير ذلك من أنواع العبادة التي هي خالص حق الله، وقد أخبر الله أن الشرك غير مغفور قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وهذه الأمور منتشرة في كثير من البلدان الإسلامية، فيجب على المحتسب أن ينهى عنها ويحذر منها أشد التحذير، وينكر على القبوريِّين هذه الأشياء، من دعوتهم لهم وطلب المدد وتفريج الكربات والطواف بهم؛ لأنهم سوَّوْهم بالله، حيث صرفوا لهم محض حق الله، وقد أخبر الله عن أهل النار أنهم حينما يختصمون في النار هم والغاوون يتبيّن لهم ضلالهم حين سوّوهم بالله عز وجل في العبادة، قال تعالى: فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ .
ومن أنواع الكفر: إنكار رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، أو اعتقاد أنها خاصة بالعرب، أو اعتقاد أن شريعته غير كاملة أو شاملة، أو لا تصلح لهذا العصر، أو الحكم بغير ما أنزل الله مع اعتقاد أنه أحسن من حكم الله، أو مماثل له، أو له الخيرة في ذلك.
ومن أنواع الكفر التي يرتد بها عن الإسلام من وقع فيها، الاستهزاء والسخرية بالله أو رسوله، أو كتابه أو سنته، أو بالمتخلق بالسنة لأنه تخلّق بها، أو إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة من الواجبات أو المحرمات بدون شبهة.
2- ترك الصلوات وإضاعتها، أو تأخيرها عن وقتها، أو التهاون بها
وذلك من المنكرات العظيمة التي يجب على المحتسب إنكارها والتحذير منها، فإن ترك الصلوات معصية عظيمة توجب القتل، حتى لو تركها كسلا فإنه يقتل حدّا، وعند طائفة من العلماء يقتل كفرًا بعد الاستتابة، وتأخيرها عن وقتها من كبائر الذنوب، فينبغي المحافظة عليها في الجُمع والجماعات؛ لأنها أعظم الأعمال، وهي من الشعائر الظاهرة، ولهذا كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يكتب إلى عماله: "إن أهم أمركم عندي الصلاة، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها أشد إضاعة" رواه مالك وغيره .
3- مسابقة الإمام في الركوع والسجود والخفض والرفع
وهي من المنكرات في الصلاة التي ابتلي بها كثير من المأمومين خداعًا من الشيطان لهم، والواجب على المأموم أن يكون تابعًا لإمامه لا سابقًا له، فلا يكبر المأموم حتى يكبر الإمام وينقطع صوته، كما في حديث أبي موسى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا: آمين، يحبكم الله، وإذا كبر وركع فكبروا وارفعوا الحديث.
وقد أنكر الإمام أحمد -رحمه الله- في رسالة الصلاة مسابقة الإمام، وبيَّن أنها منكر، فقال ما نصه: "والمضيع لصلاته الذي يسابق الإمام فيها، ويركع ويسجد معه، أو لا يتم ركوعه، ولا سجوده إذا صلى وحده، فقد أتى منكرًا؛ لأنه سارق".
وقال أيضًا: "فرحم الله رجلا رأى أخاه يسبق الإمام فيركع أو يسجد معه، أو يصلي وحده فيسيء في صلاته، فينصحه ويأمره وينهاه ولم يسكت عنه، فإن نصيحته واجبة عليه لازمة له، وسكوته عنه إثم ووزر، وإن الشيطان يريد أن تسكتوا عن الكلام فيما أمركم الله به، والنصيحة التي عليكم بعضكم لبعض؛ لتكونوا مأثومين مأزورين، وأن يضمحل الدين ويذهب، وأن لا تحيوا سنة، ولا تميتوا بدعة، فأطيعوا الله بما أمركم به من التناصح والتعاون على البر والتقوى، ولا تطيعوا الشيطان؛ فإن الشيطان لكم عدو مبين، بذلك أخبركم الله -عز وجل- فقال تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا " اهـ .
4- ترك الطمأنينة في الصلاة، وعدم إتمام الركوع والسجود، والإساءة فيها، ونقرها كنقر الغراب
وذلك من المنكرات المنتشرة بين المصلين، خصوصًا من كان يصلي وحده، أو يقضي ما فاته من صلاته مع الإمام، أو كان يصلي في السفر، فتجد كثيرًا من المصلين في هذه الحالات الثلاث، لا يطمئن في صلاته، ولا يتم الركوع ولا السجود، وهذا خلل عظيم في الصلاة، وسرقة منها.
قال الإمام أحمد في "رسالة الصلاة" ما نصه: "وقد جاء الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته. قالوا: يا رسول الله، كيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها فسارق الصلاة قد وجب الإنكار عليه ممن رآه والنصيحة له، أرأيت لو أن سارقًا سرق درهمًا، ألم يكن ذلك منكرًا، ويجب الإنكار عليه ممن رآه؟ فسارق الصلاة أعظم سرقة من سرقة الدرهم، وجاء الحديث عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: من رأى من يسيء في صلاته فلم ينهه شاركه في وزرها وعارها وجاء في الحديث عن بلال بن سعد أنه قال: الخطيئة إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، فإذا ظهرت ولم تغير ضرت العامة وإنما تضر العامة لتركهم ما يجب عليهم من الإنكار والتغيير على الذي ظهرت منه الخطيئة، فلو أن عبدًا صلى حيث لا يراه الناس، فيضيع صلاته ولم يتم الركوع ولا السجود كان وزر ذلك عليه، وإن صلى حيث يراه الناس، وضيع صلاته، فلم يتم ركوعها ولا سجودها، كان وزر ذلك عليهم" اهـ .
5- أن يقصد بعمل الآخرة الدنيا وحطامها، أو الرياء والمفاخرة والسمعة
كتعلم العلم الشرعي بقصد الحصول على المال أو المنصب والجاه، أو بقصد المفاخرة والسمعة، أو تأليف الكتب لأجل ذلك، أو بذل المال وإنفاقه في سبل الخيرات لأجل المفاخرة والمراءاة أو السمعة، فإن ذلك من أقبح المقاصد، وعمل صاحبه باطل وحابط، قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
وقال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا .
وقال -صلى الله عليه وسلم-: من تعلّم علمًا مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة .
وفي حديث أبي هريرة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: عالم ومجاهد ومتصدق؛ لأنهم قصدوا بأعمالهم مراءاة الناس، فالأول قصد من علمه أن يقال: عالم وقارئ، والثاني قصد من جهاده أن يقال: شجاع وجريء، والثالث قصد من إنفاقه أن يقال: جواد كريم .
6- التعامل بالربا
وهو من المنكرات المنتشرة في البلدان الإسلامية، وقد عدّه النبي -صلى الله عليه وسلم- من السبع الموبقات: وهي الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس بغير حق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات. وقد توعده الله بالحرب في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ .
7- بيوع الغرر
ويدخل في ذلك التأمين بصوره المتنوعة الذي انتشر في العصر الحاضر: كالتأمين على النفس، أو التأمين على السيارة، أو التأمين على البضاعة، أو غير ذلك؛ لما فيه من الضرر والمخاطرة والجهالة، فهو من أكل المال بالباطل، وما يشبه بيع المعاومة وبيع السنين، وهو بيع الشجر أعوامًا، الذي نهى عنه في حديث جابر قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المحاقلة والمزاينة والمعاومة والمخابرة وفي لفظ بدل المعاومة: وعن بيع السنين ويشبه بيع الملامسة والمنابذة وحبل الحبلة التي نهى عنها في الأحاديث، ويشبه بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها، كما في حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع والحكمة في نهي كل من البائع والمبتاع، هي بالنسبة للبائع لئلا يأكل مال أخيه بالباطل، وبالنسبة للمشتري لئلا يضيع ماله، ويساعد البائع على الباطل .
ولذلك وضع الإسلام الجوائح، وبيّن أنه لو باع ثمرًا فأصابته جائحة وأخذ الثمن من المشتري، فإنه قد أخذ مالًا من أخيه بغير حق، وذلك صريح في الأحاديث، كحديث جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وضع الجوائح رواه أحمد والنسائي وأبو داود وفي لفظ لمسلم أمر بوضع الجوائح وفي لفظ قال: إن بعت من أخيك ثمرًا فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق رواه مسلم والنسائي وابن ماجه .
8- الغش في المعاملات، وتطفيف المكيال والميزان، والكذب والخيانة في الأمانات
فهي من المنكرات المنتشرة التي ينكرها المحتسب وينهى عنها، والغش يكون في البيوع بكتمان العيوب وتدليس السلع، ويكون في الصناعات، فيجب نهيهما عن الغش والخيانة والكتمان، وبيان الوعيد على هذه الأفعال كقوله -صلى الله عليه وسلم-: من غشنا فليس منا .
وقال تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ .
وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا .
وقال تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ .
وقال تعالى: أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ .
9- تبرج النساء في الأسواق واختلاطهن بالرجال، وخروجهن بالثياب الضيقة أو القصيرة
وهذه من الأمور المنكرة المنتشرة في أسواق المسلمين فمن وظيفة المحتسب إنكارها والتحذير منها، وبيان ما ينشأ عن ذلك من الفساد والفتنة، ومناصحتهن ومناصحة أولياء أمورهن، وبيان أنه ينبغي للمرأة أن تقرّ في بيتها ولا تخرج إلا لحاجة، وإذا خرجت فلتخرج محتشمة لابسة ثيابا واسعة طويلة، بعيدة عن أماكن الرجال والاختلاط بهم؛ عملًا بقول الله تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وحذَّر من الوعيد الشديد الذي ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا .
10- نظر الرجال إلى النساء والتلذذ بذلك، وكذلك نظر النساء إلى ما لا يحل لهن من الرجال والتلذذ بذلك
وكل ذلك من الأمور المنكرة التي ينكرها المحتسب، ويباح من ذلك نظر الفجاءة، فإنه لا إثم فيها؛ لعدم القصد والتعمد، وفي الحديث: لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى، وليست لك الثانية وما عدا ذلك فإنه غير معفو عنه، إذ أن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس .
وسواء نظر إلى المرأة في سوق أو دكان أو مجلة أو تلفاز أو غير ذلك، وقد أمر الله بغض البصر في قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ .
11- التصوير لذوات الأرواح
وهو من المنكرات المنتشرة، فمن وظيفة المحتسب إنكار ذلك وبيان ما فيه من الوعيد الشديد، كحديث عائشة أشد الناس عذابًا الذين يضاهئون بخلق الله وحديث ابن عباس كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صوَّرها نفس يعذب بها في جهنم ولا سيما صور الزعماء والرؤساء لما يحصل بذلك من التعظيم، وصور النساء لما يحصل في ذلك من الفتنة والفساد.
12- سماع الغناء الذي يلهب النفوس ويقعدها
وهو من المنكرات المنتشرة في البلدان الإسلامية، وقد حصل بسبب ذلك من الفساد الصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وعن سماع القرآن وتلاوته، والبعد عن مجالس الذكر، وغير ذلك من الفتن والشرور، وقد ورد الوعيد الشديد على ذلك من الكتاب والسنة، فمن ذلك قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ وفسَّر ثلاثة من الصحابة "لهو الحديث" بالغناء. وروى البخاري في صحيحه عن أبي مالك الأشعري قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ليكونن في أمتي قوم يستحلون الحِرَ والحريرَ والخمر والمعازف .
13- حلق اللحى أو نتفها أو تقصيرها، أو حلق العارضين منها
وهو من المنكرات المنتشرة، فيجب إنكارها وبيان السنة في ذلك، وإنه يجب إعفاؤها وتوفيرها؛ لما في ترك هذه السنة من ارتكاب النهي والتشبه بالكفار والنساء، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خالفوا المشركين، وَفِّرُوا اللحى وأحفُّوا الشوارب وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: جزُّوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس .
14- الغيبة والنميمة
وهما من كبائر الذنوب، والغيبة: ذكرك أخاك بما يكره. والنميمة: نقل الكلام من شخص إلى شخص على وجه الإفساد. والغيبة والنميمة فاكهة كثير من الناس في مجالسهم، فهما من المنكرات المنتشرة، فيجب إنكارهما والتحذير منهما. وقد صور القرآن المغتاب بتصوير بشع، تنفر منه العقول السليمة، وتشمئز منه الفطر المستقيمة، وهو تشبيهه بمن يأكل لحم أخيه الميت، قال تعالى: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وتوعد النمام بوعيد شديد، ففي الحديث: لا يدخل الجنة نمام .
وقال تعالى: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ .
15- استعمال المخدرات والمفترات أكلًا أو شربًا أو مصًّا
كالدخان والجراك والقات والشمّة وغيرها، فهي من المنكرات المنتشرة التي يجب على المحتسب إنكارها والتحذير منها؛ لما فيها من المفاسد والأضرار،من ضرر الجسد المؤثر على الصحة، وضياع المال، والسهر وضياع الوقت كما يحصل من القات، ولما فيها من الخبث والروائح المنتنة الكريهة الضارة بالجسم وبالمجاور لمستعملها، والله تعالى قد أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، قال تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وقال في وصف نبيه -صلى الله عليه وسلم- مخاطبًا أهل الكتاب: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كل مسكر ومفتّر وحرَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- إضاعة المال وكثرة السؤال .
16- السفر إلى بلاد المشركين والإقامة فيها
وذلك من كبائر الذنوب؛ لما ورد من الوعيد على ذلك، كما في حديث سمرة من جامع المشرك أو سكن معه فهو مثله والحكم قد أنيط وعلق بالمشتق وهو المساكنة والمجامعة، وتعليق الحكم بالمشتق يؤذن بالعلّيّة كما هو معروف في الأصول، وقال -صلى الله عليه وسلم-: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين، لا تراءى نارهما وذلك لما يخاف في القدوم على المشركين من المخاطرة بالدين، ولا يجوز السفر إلا بشروط قررها العلماء -رحمهم الله تعالى- أخذًا من النصوص وهي: 1- أن يقدر على إظهار دينه والإعلان به، وذلك يستلزم أن يكون عارفًا بدينه بأدلته وبراهينه المتواترة في الكتاب والسنة؛ حتى يتأتى منه الإظهار لدينه، ولا يكفي في إظهار الدين فعل الصلوات فقط، بل لا بد من تكفير المشركين وعيب دينهم، والطعن عليهم، والبراءة منهم، والتحفظ من مودتهم والركون إليهم، واعتزالهم.
2- أن يأمن من الفتنة في دينه، فإن خاف بإظهار دينه الفتنة بقهرهم وسلطانهم، أو بشبهات زخرفهم وأقوالهم، لم يبح له القدوم إليهم والمخاطرة بدينه.
3- أن لا يوالي المشركين، بأن يداهنهم أو يلين الكلام لهم، والموالاة كبيرة من كبائر الذنوب، ويمثل العلماء لذلك برفع السوط لهم، وبري القلم، وبلّ الدواة وما أشبه ذلك، كإظهار البشر والبشاشة.
أما التولي فهو كفر يخرج من الملة، وذلك يكون بمحبتهم، أو إعانتهم بالنصرة أو بالمال أو بالبدن أو بالرأي، أو أظهر الموافقة لهم على دينهم؛ خوفًا منهم ومداراةً لهم ومداهنةً لدفع شرهم، وإن كان يكره دينهم، ويبغضهم ويحب الإسلام والمسلمين ويستثنى من ذلك المكره، وهو الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له: اكفر وإلا قتلناك، أو فعلنا بك كذا، أو يأخذونه ليعذبونه حتى يوافقهم، فيجوز له الموافقة باللسان مع طمأنينة القلب بالإيمان، كما قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلًا أنه يكفر، فكيف بمن أظهر الكفر خوفًا أو طمعًا؟ ! وأدلة ذلك كثيرة في الكتاب والسنة
1- الكفر بالله والشرك به عز وجل
وهو أعظم ذنب وأكبر معصية، وأعظم الكفر وأغلظه إنكار وجود الله وعبادة المادة، وهو مبدأ الشيوعية الحاقدة الملحدة، فإن مبدأهم -لا إله والحياة مادة - وقد انتشر هذا المبدأ في المجتمعات الإسلامية واعتنقه بعض شبابها، وأُلفت الكتب وقررت النظريات وألقيت المحاضرات التي تثبت وجود الله، وأن هذا الكون لا بدّ له من مدبّر، ولا شك أن هذا الكفر والإلحاد أعظم أنواع الكفر على الإطلاق، وكفر كل كافر جزء من كفر هؤلاء، وهم أعظم كفرًا من كفار قريش وأبي جهل واليهود والنصارى وغيرهم، ثم الشرك بالله عز وجل ذنب عظيم وحوب كبير، قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .
وهو دعوة غير الله مع الله، أو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، كتعظيم الأولياء والصالحين بدعائهم، والاستغاثة بهم، والذبح أو النذر أو الاستعاذة بهم، أو الطواف حول قبورهم، وغير ذلك من أنواع العبادة التي هي خالص حق الله، وقد أخبر الله أن الشرك غير مغفور قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وهذه الأمور منتشرة في كثير من البلدان الإسلامية، فيجب على المحتسب أن ينهى عنها ويحذر منها أشد التحذير، وينكر على القبوريِّين هذه الأشياء، من دعوتهم لهم وطلب المدد وتفريج الكربات والطواف بهم؛ لأنهم سوَّوْهم بالله، حيث صرفوا لهم محض حق الله، وقد أخبر الله عن أهل النار أنهم حينما يختصمون في النار هم والغاوون يتبيّن لهم ضلالهم حين سوّوهم بالله عز وجل في العبادة، قال تعالى: فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ .
ومن أنواع الكفر: إنكار رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، أو اعتقاد أنها خاصة بالعرب، أو اعتقاد أن شريعته غير كاملة أو شاملة، أو لا تصلح لهذا العصر، أو الحكم بغير ما أنزل الله مع اعتقاد أنه أحسن من حكم الله، أو مماثل له، أو له الخيرة في ذلك.
ومن أنواع الكفر التي يرتد بها عن الإسلام من وقع فيها، الاستهزاء والسخرية بالله أو رسوله، أو كتابه أو سنته، أو بالمتخلق بالسنة لأنه تخلّق بها، أو إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة من الواجبات أو المحرمات بدون شبهة.
2- ترك الصلوات وإضاعتها، أو تأخيرها عن وقتها، أو التهاون بها
وذلك من المنكرات العظيمة التي يجب على المحتسب إنكارها والتحذير منها، فإن ترك الصلوات معصية عظيمة توجب القتل، حتى لو تركها كسلا فإنه يقتل حدّا، وعند طائفة من العلماء يقتل كفرًا بعد الاستتابة، وتأخيرها عن وقتها من كبائر الذنوب، فينبغي المحافظة عليها في الجُمع والجماعات؛ لأنها أعظم الأعمال، وهي من الشعائر الظاهرة، ولهذا كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يكتب إلى عماله: "إن أهم أمركم عندي الصلاة، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها أشد إضاعة" رواه مالك وغيره .
3- مسابقة الإمام في الركوع والسجود والخفض والرفع
وهي من المنكرات في الصلاة التي ابتلي بها كثير من المأمومين خداعًا من الشيطان لهم، والواجب على المأموم أن يكون تابعًا لإمامه لا سابقًا له، فلا يكبر المأموم حتى يكبر الإمام وينقطع صوته، كما في حديث أبي موسى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا: آمين، يحبكم الله، وإذا كبر وركع فكبروا وارفعوا الحديث.
وقد أنكر الإمام أحمد -رحمه الله- في رسالة الصلاة مسابقة الإمام، وبيَّن أنها منكر، فقال ما نصه: "والمضيع لصلاته الذي يسابق الإمام فيها، ويركع ويسجد معه، أو لا يتم ركوعه، ولا سجوده إذا صلى وحده، فقد أتى منكرًا؛ لأنه سارق".
وقال أيضًا: "فرحم الله رجلا رأى أخاه يسبق الإمام فيركع أو يسجد معه، أو يصلي وحده فيسيء في صلاته، فينصحه ويأمره وينهاه ولم يسكت عنه، فإن نصيحته واجبة عليه لازمة له، وسكوته عنه إثم ووزر، وإن الشيطان يريد أن تسكتوا عن الكلام فيما أمركم الله به، والنصيحة التي عليكم بعضكم لبعض؛ لتكونوا مأثومين مأزورين، وأن يضمحل الدين ويذهب، وأن لا تحيوا سنة، ولا تميتوا بدعة، فأطيعوا الله بما أمركم به من التناصح والتعاون على البر والتقوى، ولا تطيعوا الشيطان؛ فإن الشيطان لكم عدو مبين، بذلك أخبركم الله -عز وجل- فقال تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا " اهـ .
4- ترك الطمأنينة في الصلاة، وعدم إتمام الركوع والسجود، والإساءة فيها، ونقرها كنقر الغراب
وذلك من المنكرات المنتشرة بين المصلين، خصوصًا من كان يصلي وحده، أو يقضي ما فاته من صلاته مع الإمام، أو كان يصلي في السفر، فتجد كثيرًا من المصلين في هذه الحالات الثلاث، لا يطمئن في صلاته، ولا يتم الركوع ولا السجود، وهذا خلل عظيم في الصلاة، وسرقة منها.
قال الإمام أحمد في "رسالة الصلاة" ما نصه: "وقد جاء الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته. قالوا: يا رسول الله، كيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها فسارق الصلاة قد وجب الإنكار عليه ممن رآه والنصيحة له، أرأيت لو أن سارقًا سرق درهمًا، ألم يكن ذلك منكرًا، ويجب الإنكار عليه ممن رآه؟ فسارق الصلاة أعظم سرقة من سرقة الدرهم، وجاء الحديث عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: من رأى من يسيء في صلاته فلم ينهه شاركه في وزرها وعارها وجاء في الحديث عن بلال بن سعد أنه قال: الخطيئة إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، فإذا ظهرت ولم تغير ضرت العامة وإنما تضر العامة لتركهم ما يجب عليهم من الإنكار والتغيير على الذي ظهرت منه الخطيئة، فلو أن عبدًا صلى حيث لا يراه الناس، فيضيع صلاته ولم يتم الركوع ولا السجود كان وزر ذلك عليه، وإن صلى حيث يراه الناس، وضيع صلاته، فلم يتم ركوعها ولا سجودها، كان وزر ذلك عليهم" اهـ .
5- أن يقصد بعمل الآخرة الدنيا وحطامها، أو الرياء والمفاخرة والسمعة
كتعلم العلم الشرعي بقصد الحصول على المال أو المنصب والجاه، أو بقصد المفاخرة والسمعة، أو تأليف الكتب لأجل ذلك، أو بذل المال وإنفاقه في سبل الخيرات لأجل المفاخرة والمراءاة أو السمعة، فإن ذلك من أقبح المقاصد، وعمل صاحبه باطل وحابط، قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
وقال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا .
وقال -صلى الله عليه وسلم-: من تعلّم علمًا مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة .
وفي حديث أبي هريرة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: عالم ومجاهد ومتصدق؛ لأنهم قصدوا بأعمالهم مراءاة الناس، فالأول قصد من علمه أن يقال: عالم وقارئ، والثاني قصد من جهاده أن يقال: شجاع وجريء، والثالث قصد من إنفاقه أن يقال: جواد كريم .
6- التعامل بالربا
وهو من المنكرات المنتشرة في البلدان الإسلامية، وقد عدّه النبي -صلى الله عليه وسلم- من السبع الموبقات: وهي الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس بغير حق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات. وقد توعده الله بالحرب في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ .
7- بيوع الغرر
ويدخل في ذلك التأمين بصوره المتنوعة الذي انتشر في العصر الحاضر: كالتأمين على النفس، أو التأمين على السيارة، أو التأمين على البضاعة، أو غير ذلك؛ لما فيه من الضرر والمخاطرة والجهالة، فهو من أكل المال بالباطل، وما يشبه بيع المعاومة وبيع السنين، وهو بيع الشجر أعوامًا، الذي نهى عنه في حديث جابر قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المحاقلة والمزاينة والمعاومة والمخابرة وفي لفظ بدل المعاومة: وعن بيع السنين ويشبه بيع الملامسة والمنابذة وحبل الحبلة التي نهى عنها في الأحاديث، ويشبه بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها، كما في حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع والحكمة في نهي كل من البائع والمبتاع، هي بالنسبة للبائع لئلا يأكل مال أخيه بالباطل، وبالنسبة للمشتري لئلا يضيع ماله، ويساعد البائع على الباطل .
ولذلك وضع الإسلام الجوائح، وبيّن أنه لو باع ثمرًا فأصابته جائحة وأخذ الثمن من المشتري، فإنه قد أخذ مالًا من أخيه بغير حق، وذلك صريح في الأحاديث، كحديث جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وضع الجوائح رواه أحمد والنسائي وأبو داود وفي لفظ لمسلم أمر بوضع الجوائح وفي لفظ قال: إن بعت من أخيك ثمرًا فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق رواه مسلم والنسائي وابن ماجه .
8- الغش في المعاملات، وتطفيف المكيال والميزان، والكذب والخيانة في الأمانات
فهي من المنكرات المنتشرة التي ينكرها المحتسب وينهى عنها، والغش يكون في البيوع بكتمان العيوب وتدليس السلع، ويكون في الصناعات، فيجب نهيهما عن الغش والخيانة والكتمان، وبيان الوعيد على هذه الأفعال كقوله -صلى الله عليه وسلم-: من غشنا فليس منا .
وقال تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ .
وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا .
وقال تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ .
وقال تعالى: أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ .
9- تبرج النساء في الأسواق واختلاطهن بالرجال، وخروجهن بالثياب الضيقة أو القصيرة
وهذه من الأمور المنكرة المنتشرة في أسواق المسلمين فمن وظيفة المحتسب إنكارها والتحذير منها، وبيان ما ينشأ عن ذلك من الفساد والفتنة، ومناصحتهن ومناصحة أولياء أمورهن، وبيان أنه ينبغي للمرأة أن تقرّ في بيتها ولا تخرج إلا لحاجة، وإذا خرجت فلتخرج محتشمة لابسة ثيابا واسعة طويلة، بعيدة عن أماكن الرجال والاختلاط بهم؛ عملًا بقول الله تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وحذَّر من الوعيد الشديد الذي ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا .
10- نظر الرجال إلى النساء والتلذذ بذلك، وكذلك نظر النساء إلى ما لا يحل لهن من الرجال والتلذذ بذلك
وكل ذلك من الأمور المنكرة التي ينكرها المحتسب، ويباح من ذلك نظر الفجاءة، فإنه لا إثم فيها؛ لعدم القصد والتعمد، وفي الحديث: لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى، وليست لك الثانية وما عدا ذلك فإنه غير معفو عنه، إذ أن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس .
وسواء نظر إلى المرأة في سوق أو دكان أو مجلة أو تلفاز أو غير ذلك، وقد أمر الله بغض البصر في قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ .
11- التصوير لذوات الأرواح
وهو من المنكرات المنتشرة، فمن وظيفة المحتسب إنكار ذلك وبيان ما فيه من الوعيد الشديد، كحديث عائشة أشد الناس عذابًا الذين يضاهئون بخلق الله وحديث ابن عباس كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صوَّرها نفس يعذب بها في جهنم ولا سيما صور الزعماء والرؤساء لما يحصل بذلك من التعظيم، وصور النساء لما يحصل في ذلك من الفتنة والفساد.
12- سماع الغناء الذي يلهب النفوس ويقعدها
وهو من المنكرات المنتشرة في البلدان الإسلامية، وقد حصل بسبب ذلك من الفساد الصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وعن سماع القرآن وتلاوته، والبعد عن مجالس الذكر، وغير ذلك من الفتن والشرور، وقد ورد الوعيد الشديد على ذلك من الكتاب والسنة، فمن ذلك قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ وفسَّر ثلاثة من الصحابة "لهو الحديث" بالغناء. وروى البخاري في صحيحه عن أبي مالك الأشعري قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ليكونن في أمتي قوم يستحلون الحِرَ والحريرَ والخمر والمعازف .
13- حلق اللحى أو نتفها أو تقصيرها، أو حلق العارضين منها
وهو من المنكرات المنتشرة، فيجب إنكارها وبيان السنة في ذلك، وإنه يجب إعفاؤها وتوفيرها؛ لما في ترك هذه السنة من ارتكاب النهي والتشبه بالكفار والنساء، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خالفوا المشركين، وَفِّرُوا اللحى وأحفُّوا الشوارب وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: جزُّوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس .
14- الغيبة والنميمة
وهما من كبائر الذنوب، والغيبة: ذكرك أخاك بما يكره. والنميمة: نقل الكلام من شخص إلى شخص على وجه الإفساد. والغيبة والنميمة فاكهة كثير من الناس في مجالسهم، فهما من المنكرات المنتشرة، فيجب إنكارهما والتحذير منهما. وقد صور القرآن المغتاب بتصوير بشع، تنفر منه العقول السليمة، وتشمئز منه الفطر المستقيمة، وهو تشبيهه بمن يأكل لحم أخيه الميت، قال تعالى: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وتوعد النمام بوعيد شديد، ففي الحديث: لا يدخل الجنة نمام .
وقال تعالى: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ .
15- استعمال المخدرات والمفترات أكلًا أو شربًا أو مصًّا
كالدخان والجراك والقات والشمّة وغيرها، فهي من المنكرات المنتشرة التي يجب على المحتسب إنكارها والتحذير منها؛ لما فيها من المفاسد والأضرار،من ضرر الجسد المؤثر على الصحة، وضياع المال، والسهر وضياع الوقت كما يحصل من القات، ولما فيها من الخبث والروائح المنتنة الكريهة الضارة بالجسم وبالمجاور لمستعملها، والله تعالى قد أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، قال تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وقال في وصف نبيه -صلى الله عليه وسلم- مخاطبًا أهل الكتاب: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كل مسكر ومفتّر وحرَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- إضاعة المال وكثرة السؤال .
16- السفر إلى بلاد المشركين والإقامة فيها
وذلك من كبائر الذنوب؛ لما ورد من الوعيد على ذلك، كما في حديث سمرة من جامع المشرك أو سكن معه فهو مثله والحكم قد أنيط وعلق بالمشتق وهو المساكنة والمجامعة، وتعليق الحكم بالمشتق يؤذن بالعلّيّة كما هو معروف في الأصول، وقال -صلى الله عليه وسلم-: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين، لا تراءى نارهما وذلك لما يخاف في القدوم على المشركين من المخاطرة بالدين، ولا يجوز السفر إلا بشروط قررها العلماء -رحمهم الله تعالى- أخذًا من النصوص وهي: 1- أن يقدر على إظهار دينه والإعلان به، وذلك يستلزم أن يكون عارفًا بدينه بأدلته وبراهينه المتواترة في الكتاب والسنة؛ حتى يتأتى منه الإظهار لدينه، ولا يكفي في إظهار الدين فعل الصلوات فقط، بل لا بد من تكفير المشركين وعيب دينهم، والطعن عليهم، والبراءة منهم، والتحفظ من مودتهم والركون إليهم، واعتزالهم.
2- أن يأمن من الفتنة في دينه، فإن خاف بإظهار دينه الفتنة بقهرهم وسلطانهم، أو بشبهات زخرفهم وأقوالهم، لم يبح له القدوم إليهم والمخاطرة بدينه.
3- أن لا يوالي المشركين، بأن يداهنهم أو يلين الكلام لهم، والموالاة كبيرة من كبائر الذنوب، ويمثل العلماء لذلك برفع السوط لهم، وبري القلم، وبلّ الدواة وما أشبه ذلك، كإظهار البشر والبشاشة.
أما التولي فهو كفر يخرج من الملة، وذلك يكون بمحبتهم، أو إعانتهم بالنصرة أو بالمال أو بالبدن أو بالرأي، أو أظهر الموافقة لهم على دينهم؛ خوفًا منهم ومداراةً لهم ومداهنةً لدفع شرهم، وإن كان يكره دينهم، ويبغضهم ويحب الإسلام والمسلمين ويستثنى من ذلك المكره، وهو الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له: اكفر وإلا قتلناك، أو فعلنا بك كذا، أو يأخذونه ليعذبونه حتى يوافقهم، فيجوز له الموافقة باللسان مع طمأنينة القلب بالإيمان، كما قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلًا أنه يكفر، فكيف بمن أظهر الكفر خوفًا أو طمعًا؟ ! وأدلة ذلك كثيرة في الكتاب والسنة
الثلاثاء يوليو 17, 2012 8:58 am من طرف شحاتة عطية
» لهيب الآحقاد .. موروثات الآحفاد
الأربعاء ديسمبر 24, 2008 1:06 am من طرف Admin
» كلمة الباحث العلمى / سيد جمعة
الأربعاء ديسمبر 24, 2008 12:56 am من طرف Admin
» الفارق بين الآيات الرحمانية والآيات الشيطانية ـ أطلاع قراءة
الأربعاء ديسمبر 24, 2008 12:39 am من طرف Admin
» كلمة الباحث العلمى / سيد جمعة
الأربعاء ديسمبر 24, 2008 12:31 am من طرف Admin
» تطبيقات نظرية ( التكامل الطبائعى ) ـ الإعجاز العلمى بين بلاء الإهانة وأبتلاء المهانة ـ أطلاع قراءة
الأحد نوفمبر 16, 2008 6:35 am من طرف Admin
» كلمة الحق هادرة وكلمة الباطل غابرة
الأحد نوفمبر 16, 2008 6:31 am من طرف Admin
» كلمة الموقع
الأحد نوفمبر 16, 2008 6:29 am من طرف Admin
» تطبيقات نظرية ( التكامل الطبائعى ) ـ بيان الآديان فى ميزان التبيان
الأحد نوفمبر 16, 2008 6:26 am من طرف Admin